يظن الكثير من الشباب أن التقنيات المتطورة وسيلة من الوسائل المباحة للترفيه على النفس وتفريج الهموم... بيد أن الأمر تطور فصارت لدى بعضهم مدخلا من مداخل الشيطان للوقوع في المعصية بطريقة جديدة لم تعهد عند الآباء والأجداد... فمجتمع الآباء و الأجداد كانت تنتشر فيه الغيبة والنميمة والكذب والبهتان و القذف، ولكن على الأقل كان قائلها معروفا ، و ما دام معروفا فإنه يتكلم بما رأت عيناه و سمعت أذناه فقط بكل تحفظ و حذر خوفا من خصمه ، أو من الناس حتى لا يتهموه بالإفراط ، و كان مستمعوها - آنذاك- عددهم قليل محصور ، وليس البشرية كلها من يعرف المتكلم فيه ومن لا يعرفه ومن يهمه أمره و من لا يهمه.
وفي أيامنا هذه، ومع هذا التقدم التكنولوجي الهائل وتقنيات الاتصال المتطورة سلكت الغيبة والنميمة والكذب والقذف طرقا بشعة متطورة لم تعهد من قبل ،فصارت وسيلة للثأر المفرط، والبهتان، وتلفيق التهم ، والتهجم... وقد لبست لباسا براقا صنع من جلد النصيحة والحوار.
حقا إنها حرب ضروس كلّ يشهر سلاحه الفتاك لعله يحظى بطعنة موجعة في كيان خصمه ..وهوية الطرفين مجهولة فكل واحد يتقمص شخصية غير شخصيته و يحمل اسما غير اسمه و ينتحل صفات غير صفاته ، و من ثم يفرغ جام غضبه على من شاء و كيفما شاء متناسيا أدبيات الحوار، والمجادلة بالتي هي أحسن ، يقذف بما في جعبته من الألفاظ النابية بكل جرأة و شجاعة ..وقد تناسى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- كان يقول :" ليت لي عنق جمل حتى أزن الكلمة قبل خروجها" ...تراه يعتقد أن الحق حليفه لا يفارقه قيد أنملة، و أن خصمه هو الباطل بعينه ..متجاهلا ما قاله أحد الأنبياء لقومه:" وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" فلم يجزم بأن الهدى معه، وإنما أخبر أن أحدهما من غير تعيين هو على الحق و غيره على الباطل ، وهذا الإمام الشافعي - رحمه الله – يؤكد هذا المعنى عندما يقول: " قولي صواب يحتمل الخطأ ، و قول غيري خطأ يحتمل الصواب" ، وكان يقول :" ما ناظرت أحدا إلا وتمنيت أن يظهر الحق على لسانه".
... تراه يتهجم على خصمه، ويُهدر جميع حسناته ، كأن خصمه لا يملك حسنة من الحسنات، ليس لشيء إلا لعداوة ، وقد نسي قوله تعالى : " و لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" ... و في المقابل ذلك تجد الطرف الآخر يرى نفسه أنها بلغت درجة الكمال ، لا يحب الانتقاد ولا يعترف بالخطأ، ولو اعترف بالخطأ بينه و بين نفسه لا يقبل النصيحة، و هذا غاية الجهل بحقيقة الإنسان و حقيقة الدين ، فالله عز وجل خلق الإنسان ضعيفا تعتريه النقائص والعيوب، والكمال المطلق لله وحده ، ثم إن ديننا الحنيف يأمرنا بأن نتناصح بيننا و أن نقبل النصيحة ، قال ابن عباس- رضي الله عنه-:" لا خير في قوم لا يتناصحون فيما بينهم ، ولا خير في قوم لا يقبلون النصيحة" ... وربما تجده يقبل النصيحة من الصديق فقط لا من العدو، وهذا لم ينصف نفسه ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ، قال معاذ بن جبل – رضي الله عنه - :" اقبلوا الحق من كل أحد حتى من الكافر أو المنافق ...قالوا: كيف نعرف أن الكافر يقول الحق، قال : إن على الحق لنورا".
1-إعلم أن المسلم مرآة أخيه، يحرص على أن يرى أخاه على أكمل صورة ، فإذا رأيت عيبا فلا تتردد في إبداء النصيحة ، و اعلم أن نصيحتك هي مجرد و جهة نظر ، فإذا كانت مستندة إلى علم أو برهان أو دليل و صاحَبَها قلب مخلص فهي الحق، أما إذا كانت مستندة إلى هوى أو شحناء أو حقد دفين فهي كلمة حق أريد بها باطل، و في كل الأحوال على المنصوح أن يراجع نفسه مهما كان ناصحه.
2-اعلم أن الله عز وجل يقول: "و قولوا للناس حسنا" ، فالقول الحسن و الكلمة الطيبة و النصح الجميل يتسلل إلى القلوب بسرعة فائقة و يأسرها ، فكم من ضال اهتدى ، وكم من مخطئ تراجع بعبارة حلوة التقطتها أذنه... أما الكلام الجارح و الفحش في القول و الفجور سلوك أهل النفاق عند الخصومة ، كما قال الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ واصفا إياهم: "و إذا خاصم فجر"
3- اكتل لنفسك بالصاع الذي تحب أن يكتال لك به الناس، يقول الشاعر:
تقـول هـذا جنى النحـل تمدحــــه ******وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير مدحا وذما و إن جاوزت وصفهما******والحق قد يعتريه سوء تعبيـر
..فكما انك تحب أن لا يهدر الناس حسناتك بسبب خطأ وقعت فيه ، وأن يذيبوا هذا الخطأ في بحر حسناتك ، فكن كذلك ولا تكن كالذباب الذي لا يقع إلا على القذر ، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
وإذا الحبيب أتي بذنب واحد******جاءت محاسنه بألف شفيع
4-اعلم أن المستور سيكشف ويفضح على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ، تعرف الأسماء والأشخاص، وتشهد الألسنة والأيدي ، وعند ذلك يقع الندم ، ولاتَ حين مَندَم ، و لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، وكل ذنب مسطر في كتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها ، و في الحديث :'' يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيء من الجوارح فيقول يا رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيء من الجوارح ، فيقال له خرجت منك الكلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهك به العرض الحرام و انتهب بها المال الحرام ، وعزتي وجلالي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به أحدا من الجوارح '' ... بعدها قصاص عادل ، يفني الحسنات، ويضاعف السيئات، عند ذلك يدرك هؤلاء حقيقة المفلس ، ويكبون في النار على وجوههم ... وإن غدا لناظره لقريب .
صبيحة يوم الجمعة 20 رجب 1431 الموافق لـ: 2 جويلية 2010
عدل سابقا من قبل محمد العربي الشايشي في الجمعة أكتوبر 15, 2010 1:59 pm عدل 2 مرات
المدير العام
البلد : الجنس : عدد المشاركات : 63 نقاط التميز : 115 التقييم : 1 العمر : 32 المزاج : عادي + هادئ المدينة : متليلي الشعانبة الموقع : Www.ibnDz.Com/Vb
موضوع: رد: الأنترنيت ... والحرب الكلامية الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 7:44 am
جزاك الله خيرا يا شخينا
فارس الدين
البلد : الجنس : عدد المشاركات : 18 نقاط التميز : 51 التقييم : 1 العمر : 56 المدينة : متليلي
موضوع: رد: الأنترنيت ... والحرب الكلامية الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 11:00 am
بارك الله فيك شيخنا وجازك الله عنا كل خير وجعل ما كتبته في مزان حسناتك
سهام47
البلد : الجنس : عدد المشاركات : 11 نقاط التميز : 17 التقييم : 0 العمر : 33 المدينة : غرداية
موضوع: رد: الأنترنيت ... والحرب الكلامية الأربعاء سبتمبر 29, 2010 7:16 am
عاشقة الجزائر
البلد : الجنس : عدد المشاركات : 2 نقاط التميز : 2 التقييم : 0 العمر : 32 المدينة : ورقلة